الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ومعنى {من الرهب} من أجل الرهب، أي إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية، فاضمم إليك جناحك.جعل الرهب الذي كان يصيبه سببًا وعلة فيما أمر به من ضم جناحه إليه.ومعنى: {واضمم إليك جناحك} وقوله: {اسلك يدك في جيبك} على أحد التفسيرين واحد، ولكن خولف بين العبارتين، وإنما كرر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين، وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء، وفي الثاني إخفاء الرهب.فإن قلت: قد جعل الجناح، وهو اليد، في أحد الموضعين مضمومًا وفي الآخر مضمومًا إليه، وذلك قوله: {واضمم إليك جناحك} {واضمم يدك إلى جناحك} فما التوفيق بينهما؟ قلت: المراد بالجناح المضموم هو اليد اليمنى، وبالمضموم إليه اليد اليسرى، وكل واحدة من يمنى اليدين ويسراهما جناح.ومن بدع التفاسير أن الرهب: الكم، بلغة حمير، وأنهم يقولون: اعطني ما في رهبك؛ وليت شعري؛ كيف صحته في اللغة؟ وهل سمع من الأثبات الثقات التي ترضي عربيتهم؟ ثم ليت شعري: كيف موقعه في الآية؟ وكيف يعطيه الفصل كسائر كلمات التنزيل؟ على أن موسى، صلوات الله عليه، ما كان عليه ليلة المناجاة إلاَّ زرماتقة من صوف، لا كمين لها. انتهى.أما قوله: وهل سمع من الأثبات؟ وهذا مروي عن الأصمعي، وهو ثقة ثبت.وأما قوله: كيف موقعه من الآية؟ فقالوا: معناه أخرج يدك من كمك، وكان قد أخذ العصا بالكم.وقرأ الحرميان، وأبو عمرو: من الرهب، بفتح الراء والهاء؛ وحفص: بفتح الراء وسكون الهاء؛ وباقي السبعة: بضم الراء وإسكان الهاء.وقرأ قتادة، والحسن، وعيسى، والجحدري: بضمهما.{فذانك} إشارة إلى العصا واليد، وهما مؤنثتان، ولكن ذكرا لتذكير الخبر، كما أنه قد يؤنث المذكر لتأنيث الخبر، كقراءة من قرأ: ثم لم يكن فتنتهم إلا أن قالوا، بالياء في تكن.{برهانان} حجتان نيرتان.وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: فذانك، بتشديد النون؛ وباقي السبعة: بتخفيفها.وقرأ ابن مسعود، وعيسى، وأبو نوفل، وابن هرمز، وشبل: فذانيك، بياء بعد النون المكسورة، وهي لغة هذيل.وقيل: بل لغة تميم، ورواها شبل عن ابن كثير، وعنه أيضًا: فذانيك، بفتح النون قبل الياء، على لغة من فتح نون التثنية، نحو قوله:
وقرأ ابن مسعود: بتشديد النون مكسورة بعدها ياء.قيل: وهي لغة هذيل.وقال المهدوي: بل لغتهم تخفيفها.و{إلى فرعون} يتعلق بمحذوف دل عليه المعنى تقديره: اذهب إلى فرعون. اهـ.
وقال: ولذلك بيَّن بقولِه تعالى: {مِنَ النار} وقُرىء بكسرِ الجيمِ وبضمِّها، وكلَّها لغاتٌ {لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} أي تستدفئونَ.{فَلَمَّا أتاها} أي النَّارَ التي آنسَها {نُودِىَ مِن شَاطِىء الوادى الأيمن} أي أتاهُ النِّداءُ من الشاطيءِ الأيمنِ بالنسبةِ إلى مُوسى عليهِ السَّلامُ {فِى البقعة المباركة} متصلٌ بالشَّاطيء أو صلةٌ لنُوديَ {مِنَ الشجرة} بدلُ اشتمالٍ من شاطيءٍ لأنَّها كانتْ نابتةً على الشَّاطيءِ {أَن ياموسى إِنّى أَنَا الله رَبُّ العالمين} وهذا وإنْ خالفَ لفظًا لما في طه والنَّملِ لكنَّه موافقٌ له في المَعنى المرادِ {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} عطفٌ على أنْ يا مُوسى وكلاهما مفسرٌ لنودَي والفاءُ في قولِه تعالى: {فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ} فصحيةٌ مفصحةٌ عن جُمَلٍ قد حُذفتْ تعويلًا على دلالةِ الحالِ عليها وإشعارًا بغايةِ سرعةِ تحققِ مدلولاتِها أي فألقاهَا فصارتْ ثُعبانًا فاهتزتْ فلمَّا رَآها تهتزُّ {كَأَنَّهَا جَانٌّ} أي في سُرعةِ الحركةِ مع غايةِ عظمِ جُثَّتِها {ولى مُدْبِرًا} أي مُنهزمًا من الخوفِ {وَلَمْ يُعَقّبْ} أيْ لم يرجعْ {يَا موسى} أي قيلَ يا مُوسى: {أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الامنين} من المخاوفِ فإنَّه لا يخافُ لديَّ المُرسلون {اسلك يَدَكَ في جَيْبِكَ} أي أَدخلْها فيهِ {تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء} أي عيبٍ {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} أي يديك المبسوطتينِ لتتَّقي بهما الحيَّةَ كالخائفِ الفزعِ بإدخالِ اليمنى تحتَ العضد الأيسرِ واليسرى تحتَ الأيمنِ أو بإدخالِهما في الجيبِ فيكون تكريرًا لغرضٍ آخرَ هو أنْ يكونَ ذلك في وجهِ العدوِّ إظهارَ جراءةٍ ومبدأ لظهورٍ معجزةٍ، ويجوزُ أنْ يرادَ بالضمِّ التَّجلدُ والثباتُ عند انقلابِ العَصَا ثعبانًا استعارةٌ من حالِ الطَّائرِ فإنَّه إذَا خافَ نشَر جناحيِه وإذا أمنَ واطمأنَّ ضمَّهما إليهِ {مِنَ الرهب} أي من أجلِ الرَّهبِ أي إذا عراكَ الخوفُ فافعلْ ذلك تجلُّدًا وضبطًا لنفسكَ. وقُرىء بضمِّ الراءِ وسكونِ الهاءِ وبضمِّهما، والكلُّ الغاتٌ {فَذَانِكَ} إشارةٌ إلى العَصَا واليدِ. وقُرىء بتشديدِ النُّونِ فالمخففُ مُثنَّى ذاكَ والمشدَّدُ مثنَّى ذلكَ {برهانان} حجَّتانِ نيِّرتانِ. وبُرهان فُعلان لقولِهم أبرَه الرَّجلُ إذا جاءَ بالبُرهانِ من قولِهم برهَ الرَّجلُ إذا ابيضَّ ويُقال للمرأةِ البيضاءِ برهاءُ وبَرَهْرَهةٌ، ونظيرُه تسميةِ الحجَّةِ سُلطانًا من السَّليطِ وهو الزَّيتُ لإنارتِها. وقيل: هو فُعلال لقولِهم برهنَ. ومِن في قوله تعالى: {مِن رَبّكَ} متعلقةٌ بمحذوفٍ هو صفةٌ لبرهانانِ أي كائنانِ منْهُ تعالى: {إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} واصلانِ ومنتهيانِ إليهم {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فاسقين} خارجينَ عن حُدود الظُّلمِ والعُدوان فكانُوا أحِقَّاءَ بأنْ نُرسلَك إليهم بهاتينِ المُعجزتينِ الباهرتينِ. اهـ.
أو لم تكن كما في قوله: ولذا بينت كما قال بعض المحققين بقوله تعالى: {مِنَ النار} وجعلها نفس النار للمبالغة كأنها لتشبث النا ربها استحالت نارًا، وقال الراغب: الجذوة ما يبقى من الحطب بعد الالتهاب، وفي معناه قول أبي حيان: عود فيه نار بلا لهب، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: هي عود من حطب فيه النار.وأخرج هو وجماعة عن قتادة أنها أصل شجرة في طرفها النار، قيل: فتكون من على هذا للابتداء، والمراد بالنار هي التي آنسها.وقرأ الأكثر {جَذْوَةٍ} بكسر الجيم والأعمش وطلحة وأبو حيوة وحمزة بضمها {لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} تستدفئون وتتسخنون بها، وفيه دليل على أنهم أصابهم برد.{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)}.{فَلَمَّا} أي النار التي آنسها.{أتاها نُودِىَ مِن شَاطِىء الوادى الايمن} أي أتاه النداء من الجانب الأيمن بالنسبة إلى موسى عليه السلام في مسيره فالأيمن صفة الشاطىء وهو ضد الأيسر، وجوز أن يكون الأيمن بمعنى المتصف باليمن والبركة ضد الأشأم، وعليه فيجوز كونه صفة للشاطىء أو الوادي، و{مِنْ} على ما اختاره جمع لابتداء الغاية متعلقة بما عندها، وجوز أن تتعلق بمحذوف وقع حالًا من ضمير موسى عليه السلام المستتر في نودي أي نودي قريبًا من شاطىء الوادي، وجوز على الحالية أن تكون من بمعنى في كما في قوله تعالى: {مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} [الأحقاف: 4] أي نودي كائنًا في شاطىء الوادي، وقوله تعالى: {فِى البقعة} في موضع الحال من الشاطىء أو صلة لنودي، والبقعة القطعة من الأرض على غير هيئة التي إلى جنبها وتفتح باؤها كما في القاموس، وبذلك قرأ الأشهب العقيلي ومسلمة ووصفت بالبركة لما خصت به من آيات الله عز وجل وأنواره.
|